قصة الأمير وابنة النساج
يحكى انه في قديم الزمان عاش ملك ذو بَأسٍ شديد ونُفُوذ لا حدود له في مملكة كبيرة تحكم كل المدن والقرى الصغيرة من حولها. كان للملك ابن وحيد ويدعى بهاء الدين. كان بهاء الدين اميرا يملك من الوَسَامَة والأناقة ما يجعل الفتيات يقعن في حبه. فكلما جاءت اميرة من مملكة لزيارة القصر. اعجبت بالامير إعجابا شديدا. وحاولت التودد اليه والتقرب منه. ولكن الامير كان يحاول أن لا يُبْدِيْ أي مشاعر تجاه أية واحدة منهن. فما كان من هؤلاء الذين يُغرِيهم الجمال الخارجي. إنما بالرغم من كونه امير كان شابا مُثَقَّفا يحب القراء والاطلاع. ويهتم بأُمُور ابناء مملكته. فينزل إلى القرى والمدن والشوارع. يلتقي بهم ويسمع شكواهم ويساعدهم دون أن يشعر بالعِبْء والثِقْل. لِذا كان الأمير يبحث عن من تشاركه شَغَفه وتكون ملائمة له في العقل والتفكير.
وفي احد الايام والذي كان يصادف يوم ميلاد الامير. وقد بلغ الخامسة والعشرين من عمره. أقيمت الاحتفال في كل أَنْحَاء المملكة. إِحْتِفَاء باميرهم المحبوب. وزين القصر والاماكن المُحِيطة به. وغدا كأنه يوم عيد وطني. وحضر ملوك وامراء الممالك المُجَاوِرة لتهنئة الأمير بهاء الدين. بيوم ميلاده. وقدموا له الهدايا الثَمِينة. وعبّروا عن امنياتهم (أُمْنِيَّة (ج أَمانٍ, الأَمانِي)) الصادقة له بالسعادة والنجاح في حياته. وبعد تناول الطعام وانْصِراف الضيوف. أرسل الملك في طلب ابنه الامير. وعندما وصل بهاء الدين اليه قال تفضل يا والدي. انا طَوْع أمرك قال الملك اجلس يا بني. أريد الحديث معك في امر هام. تعجب بهاء الدين وقال كن لي اذا نصاغية. بدأ الملك بالحديث وقال يا بني انك تعلم قد كبرت في السن. ووصلت الى المرحلة التي يجب علي ان ارتاح فيها. وان اسلم لك امور المملكة. فقد رأيت فيك القدرات والمواهب اللازمة لتكون وريثا للعرش. فانت قريب من الناس تحب خدمتهم وتحبهم. ويحبونك ايضا. ولديك من الفطنة والحنكة والقوة ما يكفي لان تستلم عرش المملكة. قال بهاء الدين. ولكن يا ابي انت لا تزال في صحتك وقوتك. ولا يزال بامكانك ان تدير الامور وتحكم الناس على اكمل وجه وافضل حال. قال الملك يا بني انا فعلت كل ما بوسعي لاحكم الناس بالعدل طيلة السنوات الماضية. وقد استلمت الحكم وانا في مثل عمرك. وحان الوقت لاستريح واجلس في حديقة القصر. ومن حولي احفادي الاعبهم والاطفهم. تعجب بهاء الدين من كلام والده وقال احفادك. اجاب الملك اجل يا بني. فالامر الذي وددت ان اتحدث معكفيه. هو ان الوقت المناسب لزواجك قد حان. وارى انه من الافضل انتختار اميرة من اميرات الممالك المجاورة لنا. فهن كثر وعلى قدرعال من الجمال الذي يليق بمقامك. وما عليك الا ان تنطق اسم واحدة منهن لتقول لك سمعا وطاعة. ضحك بهاء الدين لكلام والده. وقال له ارجوك يا ابتي لا يزال امامنا متسع من الوقت للتفكير بهذه الامور. لنترك هذا الموضوع. ولا نتحدث فيه على الاقل لمدة من الزمن. غضب الملك من جواب ابنه. ولكنه انهى الحديث هذه المرة على ان يعاود التحدث معه مرة اخرى. ولكن بحضور والدته الملكة. فهويعلم كم ان ابنه لا يرفض لوالدته طلبا. ولا يرد لها كلاما بتاتا.
مرت الايام وبعد مدة ليست بالقصيرة. كان بهاء الدين يقف في شفة غرفته في القصر. حين سمع الملك يتحدث مع امه الملكة. انه حان الوقت لتزويج ابنهم الامير. فكر الامير في حيلة يمكن من خلالها تأجيل موضوع الزواج. الذي يعتقد انه لم يحن وقته بعد. وبالفعل في صباح اليوم التالي جلست الملكة بجانب ابنها وبدأت تلاطفه. ثم قالت له يا بني لم تعد ذلك المدلل. وقد اصبحت شابا وسيما ذكيا تتمنى جميع فتيات العالم الارتباط به. ولذلك يا عزيزي رغبتنا انا ووالدك ان نزوجك من اميرة تليق بك وبمقامك. والاميرات كثر اختر منهن من تشاء. فكر الامير ان والديه لن يتراجعا عن هذا الامر. قال لهما في المساء انه موافق على الزواج ولكن بشرط. قال له الوالد وما هو شرطك يا بني. قال بهاء الدين اريد ان تخضع جميع الاميرات لاختبار خاص. ومن تنجح بالاختبار ساختارها زوجة لي. وافق الملك على كلام ابنه. وارسل رسائل الى جميع ملوك الممالك المجاورة يدعوهم الى حفل كبير في قصره. الذي سيقام يوم الجمعة القادم. ويطلب منهم احضار بناتهم الاميرات ليراهن الامير بهاء الدين. ويختار من بينهم زوجة له. بدأت التحضيرات في قصر الملك للحفل المنتظر. وزينت القاعة الملكية بالزهور والشموع والاضواء الملونة. وكان كل شيء في اجمل هيئة وابهى صورة. في اليوم اجتمع في قصر الملك جموع كبيرة من الضيوف والاميرات. وقد حرصت كل اميرة على ان تظهر اجمل من وصفاتها. وكانت جميع من في الحفل على قدر عال من الجمال والاناقة والرقة. دخل الامير بهاء الدين القاعة الملكية. فصفق له الجميع وحيوه. وبكل تواضع رد التحية وسلم على جميع من في الحفل. قرعت ايذانا ببدء الحفل. ثم تكلم الملك ورحب بالحضور قائلا. ارحب بكم جميعا ايها السادة في ربوع مملكتنا. واشكر لكم حضوركم الكريم. استمتعوا باجواء حفلتنا الرائعة. بينما يقوم اميرنا باختيار شريكة حياته من اميراتكم الجميلات. وبالفعل خصصت غرفة في القصر. جلس فيها بهاء الدين وطلب من الخدم ان ينادوا على الاميرات واحدة تلو الاخرى. وفي كل مرة كانت تخرج احدى الاميرات بوجه متجهم عابس. وحين سئلت احداهن عن سبب عبوسها يبدو انني شئت الى هنا عبثا. فالامير لم ينظر الى فستان الملكي الجميل ولا الى عيني الرائعتين. كل ما كان يهمه هو ان يعرف كم كتابا قرأت. وما هي اهتمامات الفكرية والاجتماعية. ارأيتم اميرا كهذا ؟؟ ولم تختلف اجابات باقي الاميرات عما ذكرته هذه الاميرة. وبعد ان انتهى الامير بهاء الدين من مقابلة جميع الاميرات في الحفل. قد اخذ بانه لم يجد من بين الاميرات امير مناسبة لتكون زوجة له وشريكة لحياته. لذا قرر اخبار الملك بهذا الامر وهو ما اغضب الملك منه. واصر على انه لابد ان يزوج ابنه باحدى الاميرات. وظل في كل مرة يحاول ان يقنع ابنه بالزواج. والامير كان يرفض دائما. ولما الامر ضاق الامير بهاء الدين بذلك. ولعلمه بان والده لن يترك هذا الامر حتى يتحقق ما يريد. فقد جلس الامير بهاء الدين يفكر كثيرا فيما يمكن فعله للتخلص من هذا الامر المقلق. واخيرا اهتدى ان الحل الوحيد هو الابتعاد عن المملكة والسفر بعيدا لعله يريح فكره من موضوع الزواج. كان الامير يعلم يقينا ان الملك سيرفض وسيعترض امر سفره رفضا قاطعا. ولكنه كان مصمما على ذلك. وفي صباح اليوم التالي قال الامير لوالده يا ابي ارأيت لو ان ابنك اراد امرا فيه الراحة والسعادة. اكنت ستمنعه. اجاب الملك وهل لي غاية في الدنيا الا ان اراك سعيدا هادئ البال ؟؟ في هذه لحظة قال لابيه ارى ان سعادتي وراحتي ان اسافر خارج المملكة. ولفترة من الزمن. تعجب الملك لطلب ولده وسأله. وما حاجتك الى السفر. ومملكتنا الاجمل والاوسع والاكثر خيرا في كل ممالك المجاورة. اجاب بهاء الدين ولكني لا ابحث عن الجمال والمكان. فكله موجود اينما وجدت يا ابي الحبيب. ولكن ارى ان في سفري ساجد راحة العقل وهدوء البال. لذا يا سيدي هلا سمحت لي بالذهاب. قال الملك على مضض طالما ارتأيت هذا. فتوكل على الله ولكن لا تطل الغياب. قال الامير بهاء الدين مسرورا. ونعم بالله لن اطيل الغياب ان شاء الله. وفي اليوم التالي جهز الامير حصانه واخذ ما يلزمه من زاد وماء. ووضع في جراب السرج ثلاثة اكياس من النقود. ثم ودع ووالدته وانطلق في طريقه. صار الامير بهاء الدين مسافة طويلة ولما اظلم الليل افترش العشبة وجلس تحت شجرة كبيرة ربط خيله بها. تناول طعامه وغطى في نوم عميق. اثناء نومه شاهد في منامه انه قد اضاع الطريق. فوجده رجل غريب وسأله الى اين ذاهب وما الذي تبحث عنه ؟؟ اجاب الامير انا ذاهب لابحث عن قدري. قال الرجل ولماذا تبحث هنا ؟؟ هذا المكان فقط للرعية البائسة. اما اقدار الملوك والعظماء فمكتوبة في قصر موجود على ضفاف النهر. عندما استيقظ الامير تذكر هذا الحلم. وقال لنفسه ايعقل ان يكون ما قاله الرجل في الحلم حقيقة ؟؟ هل ان في الطريق المؤدي الى النهر ساجد ذلك القصر. وقرر الامير بهاء الدين السير في الطريق المؤدي الى النهر. امتطى خيله وانطلق. سار بحصانه مسافات طويلة حتى لاح له من بعيد قصر كبير بهي. وعندما وصل الى ساحة القصر. نظر حوله ورأى العديد من الرسائل والعلامات. وما ان هم قراءتها حتى سمع صوتا يقول له احذر. ترك الامير ما بيده والتفت فاذا برجل كبير في السن. قد كانت لديه لحية طويلة وعصا خشبية وكان يمشي ببطء. فسأله الامير من انت يا سيدي ؟؟ اجاب الرجل انا حارس هذا القصر. منذ زمن بعيد. ولكن من انت ؟؟ قال بهاء الدين انا امير من مملكة بعيدة. جئت ابحث عن قدري. وقد سمعت انه موجود في هذا القصر. قال الرجل ان كنت تريد ان تعرف قدرك اتبعني. ولكن اياك ان تحاول تغيير هذا القدر. شعر الامير بالخوف من تحذير الرجل الغريب. ولكنه استمر في تتبع الرجل الذي كان يمشي ببطء شديد. حتى الى قبو القصر. كان المكان مظلما ولا يمكن رؤيته بسهولة. وعندما دخل الرجل الى الداخل تبعه الامير وقال الرجل مشيرا بيده الى جهة ما. هذا جدار الاقدار. وقد كان الجدار مضاءا بالاف النقاط البراقة. كأنه سماء ليلة مضاءة بالغيوم. تعجب الامير وقال وما هذه ضوء. اجاب الحارس هذا الجدار محفور عليه اسماء كثيرة. وبجانب كل اسم هناك نقطة ضوء تشير الى قدره. بعض هذه النقاط تكون باهتة. وبعضها تكون مضيئة. بحسب حسن او سوء القدر. وعاد الرجل مرة اخرى لتحذير الامير قائلا. ولكن احذر ان تحاول تغيير هذا القدر. فقد يكون ذلك الامر مؤذيا لك. ابتسم الامير بهاء الدين وقال لارى ماذا يحمل قدري. وبدأ بالبحث عن اسمه على الجدار. ووجده محفورا بخط جميل. وبجانب اسمه هناك نقطة ضوء تشع بشكل غريب. وتشير الى قدره. تقدم بهاء الدين نحو هذه النقطة. وحاول ان يرى ما يشير اليه القدر. فاذا به يرى صورة لفتاة يبدو عليها الفقر والمرض. كانت الفتاة شاحبة وضعيفة وحزينة. فقال الامير منزعجا من هذه ؟؟ سمع صوت الرجل يقول هذا هو قدرك ايها الامير. هذه ابنة نساج فقير اسمه حسان. وهي مريضة منذ طفولتها بمرض في قلبها. وقد كتب لك ان تتزوج بها. وان ترافقها طوال العمر. سأل الامير وقد بدا منزعجا. ولماذا كتب لي هذا القدر ؟؟ الست استحق شيئا افضل من ذلك ؟؟ قال الرجل لا اعلم سبب قدرك فانه سر من اسرار الله. لكن ربما تكون تلك الفتاة خير لك من كل الاميرات. ولكن الامير لم يستمع الى هذا الرجل. وغادر غاضبا وبسرعة. وسمع صوت الرجل يحذره للمرة الثالثة. احذر يا بني ان تحاول تغيير قدرك. فان ذلك مؤذن لك. انطلق بهاء الدين بخيله مسرعا لا يعرف وجهته. ظل هائما في الغابات. الى ان تعب فاوقف خيله وجلس على العشب يفكر في القدر الذي كتب له. وكيف السبيل الى التخلص من ولكنه تذكر تحذير الرجل له عدة مرات. وهذا يدل على خطورة الامر. ولكن ماذا سيفعل بفتاة مريضة لا خير منها. وكيف سيقبل والده الملك ان يتزوج من ابنة نساج. وكيف ستكون ردة فعل الاميرات حين يرين فتاة قبيحة ومريضة زوجة للامير. والذي تتمناه جميعهن زوجا. تساؤلات عديدة جالت في عقل الامير بهاء الدين. وهو جالس لا يدري اين يذهب ولا ماذا يفعل. وشعر ان جميع الابواب اغلقت في وجهه. وتمنى لو انه لم يغادر القصر. وانه اختار زوجة من ذلك الحفل. ثم غطى في نوم عميق. ورأى في منامه فتاة تصارع الموت. وتنادي عليه قائلة انت من بامكانه ان يشفيني من مرضي. في صباح اليوم التالي استيقظ الامير وقد عزم على البحث عن النساج وابنته. حمل امتعته وامتطى خيله وصار على غير هدى. يسأل كل من يقابله عن النساج وابنته. وقد مرت عدة ايام ولا احد يعلم عنهما شيئا. بدأ التعب والارهاق ينالان لكنه لم يستسلم. واراد ان يتخلص من هذا القدر الذي كتب له. وان كلفه ذلك حياته. لذلك استمر يبحث في كل مكان وكان يتحدث الى الناس في اماكن العمل والاسواق. وحتى في المناطق النائية. وفي احد الايام انتهت رحلته الى قرية صغيرة تقع في جبال بعيدة. هناك سمع احدهم يذكر شخصا يعمل بالنسيج. تجددت عزيمة الامير وقرر ان يدخل القرية دون ان يظهر لاهلها انه امير. لذا قام بالتنكر ودخل القرية. وشرع يسأل عن النساج. قام اهل القرية بمساعدته وبايصاله الى دكان صغير. وفي احد ازقة القرية. وعندما وصل الى هناك قال عليك ايها الرجل. قال النساج وعليكم السلام يا بني. اهلا بك. تفضل بالدخول. دخل بهاء الدين دكان النسيج متنكرا ولم يكن يبدو عليه اية علامة او سمة انه امير. قال النساج يا بني ما هو طلبك. قال بهاء الدين وقد بدا مرتبكا. انا بهاء الدين جئت من مكان بعيد. ولا اعرف احدا هنا. هلا تكرمت وقبلت ان اعمل عندك. نظر اليه النساج بدهشة وقال يا بني العمل هنا قليل. وما تعطينا اياه هذه الدكان من مال بالكاد يكفينا انا وابنتي المريضة. وهنا تذكر الامير قدره وانه مكتوب عليه ان يعيش مع هذه الفتاة المريضة طوال عمره. فقال له لن اطلب منك الكثير. فقط يومي ومكانا يأويني. فكر النساج قليلا ثم قال حسنا يا بني. ابدأ العمل في الدكان وفي نهاية اليوم تعود معي الى بيتنا وتنام معي فيه. قال بهاء الدين على بركة الله. وما كانت كل هذه الحيل الا ليجد بهاء الدين فرصة لرؤية تلك الفتاة. التي كتبت في قدره. وبالفعل بدأ الامير يعمل مع النساج في دكانه. وكان ينفذ كل ما يطلب منه دون تذمر. وفي المساء عاد النساج مع الامير الى البيت. وكان مكونا من غرفة وغرفة استقبال صغيرة. وكانت الجدران مهترئة والرطوبة منتشرة في كل مكان. والاضاءة خافتة. قال النساج تفضل يا بني. اجلس هنا. على قلة حيلتي. قال بهاء الدين لا بأس يا سيدي. واضاف النساج يا بني سننام انا وانت هنا. وتنام ابنتي في غرفتها. قال بهاء الدين حسنا. ولكن اين الفراش الذي سننام عليه ؟؟ اجاب النساج هذا فراشي. نم عليه وانا انام على الارض. رفض بهاء الدين ان ينام على فراش النساج. وبالفعل افترش الارض ونام. وفي الصباح شعر بهاء الدين بالم شديد في عظامه وجميع مفاصله وقام متثاقلا. ولكنه تذكر انه لم يستطع رؤية ابنة النساج. لذا يجب عليه ان يقضي يوما اخر في هذا المكان. الذي لا يصلح للعيش البشري. تناول قطعة جبن صغيرة مع كسرة خبز برفقة النساج. وانطلقا مع الى الدكان. كان فكر بهاء الدين مشغولا لانه حتى الان لم تخرج ابنة النساج امامه ابدا. وظل على هذا الحال عدة ايام. ثم لما ضاق من البقاء في ذلك المكان اهتدى الى حيلة لعله يستطيع بها رؤية الفتاة. ففي احد الايام تصنع الامير التعب الشديد وجلس يتلوى امام النساج. الى ان بالذهاب الى البيت لينام. وحينها انتهز الامير الفرصة لرؤية الفتاة. وصل الى البيت وبهدوء شديد فتح الباب لئلا يصدر صوتا. ثم وضع معطفه الذي قام بتمزيقه ليظهر كاي فقير معدوم. كان المعطف يحمل في جيبه الداخلي اكياس النقود الثلاثة. التي اخذها الامير معه حينما غادر القصر. جلس على فخرجت ابنة النساج من الغرفة وهي لا تدري ان احدا في البيت. كانت تمشي متثاقلة لا تقوى على شيء. وحينما رأت بهاء الدين يجلس على الارض اصدر كلاهما شهقة قوية. وفر الامير هاربا تاركا معطفه. غادر بهاء الدين القرية باكملها. وقرر العودة الى مملكة والده. اما النساج وكانت تدعى جميلة. فقد شعرت ان الالم اختفى منذ تلك اللحظة. وصارت ترقص فرحا للخفة التي تشعر بها. وجلست تنتظر والدها ليعود في المساء. فتخبره بما حدث. في المساء. عاد النساج الى البيت فوجد ابنته بانتظاره. وقد كانت بكامل صحتها وحيويتها. حتى كانها لم تكن مريضة من قبل. فسألها عما حدث لها. وعندما لم يجد بهاء الدين سألها ماذا يحدث هنا ؟؟ هل حدثت معجزة ام ماذا ؟؟ واين بهاء الدين ؟؟ قالت جميلة اجلس يا ابي وساخبرك ما حدث بالتفصيل. وجلست تروي له ما حدث ؟؟ وكيف انها بمجرد رؤية هذا الشاب زال كل ما بها من الم ومرض. جحظت عينا النساج دهشة لما سمع. وقال لابنته استعدي لنذهب غدا الى طبيب القرية. فان ما حدث لا يصدقه عقل بشر. وعندما هم بالنوم تنبه الى ان بهاء الدين ترك معطفه في البيت. وضعه النساج جانبا وقال لعله يفقده فيعود ليأخذه. لم تنم جميلة في تلك الليلة فرحا بزوال المها الذي لازمها منذ ولادتها. وكلما حاول ان تغمض عينيها تذكرت ذلك الشاب الوسيم. وتذكرت وقوفها امامه وزوال المها. فابتسمت وكادت تطير من الفرح. في الصباح خرج النساج برفقة ابنته الجميلة وتوجها الى طبيب القرية الذي ما ان رآهما حتى عبس بوجهه وقال لهما. كم مرة اخبرتكم اني لا املك فعل شيء لمرض ابنتكم. قال ولكن ايها الطبيب لم يعد الالم موجودا. وقد جئنا لنخبرك عما حدث لعلك تجد تفسيرا لشفاء المرض. الذي طالما اخبرتنا انه لا شفاء منه. ضحك الطبيب وقال هل تقولون انها حدثت معجزة ؟؟ وشفيت من المرض. اخبرتكم ان زمن المعجزات قد انتهى. قال النساج حسنا كلامك ايها الطبيب ولكن من فضلك قم بفحص ابنتي وسأعطيك اجرك كاملا في اقرب فرصة واعدك بذلك. وحينها قام الطبيب متثاقلا وبدأ بفحص قلب جميلة. ويا للصدمة. حيث وجد ان قلب الفتاة سليم للغاية. وعاد يعمل طبيعيا كان لم يكن به علة. قال الطبيب مستحيل يحدث هذا. لا اصدق ما ارى. انها فعلا معجزة. حينها حدثه النساج عما حدث. وغادر مع ابنته جميلة والسعادة تحيط بهما. وقرر ان يقضي اليوم في البيت مع ابنته. ظل النساج ينتظر عودة بهاء الدين عدة ايام. ولكنه لم يعد. وحينما امسك بمعطفه ليتخلص منه. وجد في ثلاثة اكياس من النقود. شعر النساج بالدهشة لما رأى. وظن انه لابد ان هذا الشاب سيعود حينما يتذكر انه ترك امواله هنا. في ذلك الوقت. كان الامير بهاء الدين قد وصل الى القصر. واستقبله والداه بحفاوة شديدة. ولكن الملك لاحظ ان ابنه لم يكن على ما يرام. فتركه يستريح في ذلك اليوم. ثم في صباح اليوم التالي وبينما كانوا يتناولون الطعام كان بهاء الدين شارد الذهن. فقال له الملك اخبرني يا بني كيف صارت رحلتك ؟؟ رد الامير وقد كان حزينا. لم تسر كما خططت لها. قال الملك ذلك ظاهر على وجهك. والان اخبرني ما الذي يزعجك ؟؟ بدأ الامير يخبر والده ما حدث معه. وكيف انه رأى في اقداره انه سيتزوج بابنة نساج مريضة. وانه ذهب اليهم وهرب سريعا عندما رآها. وقد كانت شاحبة تشبه الاشباح. وكان الدم لا يسري في هذا الجسد. ولذلك هو حزين. سمع الملك كلام ابنه وحزن لهذا القدر حزنا شديدا. ولكنه قال يجب ان تنسى كل ما مررت به وكأنك لم تعشه ابدا. قال الامير ولكن يا ابي لا يجوز لي ان اتجاهل قدري وقد كتب لي. قال الملك لن اكرر كلامي وستنسى كل ما عشته من قبل. وقريبا سيعقد قرانك على احدى الاميرات. اما ان تختار واحدة او ان اختار لك انا. وهكذا انتهى موضوع ابنة النساج. ولم يعد الامير يتحدث عنه ابدا. في تلك الفترة بدأت صحة الامير بالتراجع. حيث لم يعد يستلذ بطعام ولا بشراب. واصبح يعتزل الجميع ويلتزم غرفته ولا يخرج حتى الى الشرفة. وفي كل مرة يغلق عينيه لينام. يتردد في مسمعه صوته القصر وهو ينادي احذر ان تغير قدرك. فان ذلك سيؤذيك. حتى اصبح يدخل الى منامه ويحذره في المنام. من ان يترك قدره او ان يغيره. غضب الملك لهذا الحال. وللتخلص من هذا الامر اخبر ابنه انه متوجهون غدا لخطبة اميرة المملكة المجاورة لهم. ولكن ابنه عارض ذلك معارضة شديدة. وقال له يا ابتي ان اردت ان تؤذيني فاخطب لي من تشاء. خاف الملك على ابنه خوفا شديدا. وقرر ان يترك امر الزواج لايام تفعل به ما تشاء. في يوم ما بعد عدة سنوات. استيقظ الامير بهاء الدين وهو يشعر بضيق شديد. فقرر ان يخرج لممارسته الصيد التي لم يمارسها منذ مدة طويلة. فملأ جرابه بالسهام وامتطى خيله وانطلق الى غابة بعيدة عن محيطه بالكامل. صار الامير في الغابة يحمل قوسه وسهامه. واخذ يستمع الى اصوات الطيور والحيوانات. ويمشي ببطء شديد لئلا يثير الضجة. وفجأة لمح حركة خفيفة بين الاشجار من بعيد. اطلق سهم قاصدا الفريسة. وبعد ان اطلق السهم ركض ليستطلع الامر ويرى ما الذي اصابه هذا السهم. وكانت المفاجأة ان رأى خلف الاشجار فتاة فائقة الجمال. يبدو انه كانت تستطلع كتابا ما وقد اخافها مرور السهم من فوقها. ومن خلف الفتاة قصر جميل. شعر الامير بالارتباك والخجل. وقال معذرة يا سيدتي. كنت قد خرجت للصيد وظننت ان فريسة ما تحركت خلف الاشجار. ارجو الا اكون قد ازعجتك. كانت الفتاة قد عرفته عندما رأته. وعرفت انه ذلك الشاب الذي اعاد اليها صحتها برؤيته. فابتسمت ابتسامة لطيفة. وقالت بلطف. لا عليك ايها الشاب. وقال اسمي الدين. ردت الفتاة بخجل وقالت وانا جميلة. تفضل بالجلوس. جلس بهاء الدين وقد بدأ يشعر بالحياة تدب في اوصاله. وبدأ لونه الاصفر يختفي وعادت وجنتاه للتورد من جديد. امتد الحديث بين بهاء الدين وجميلة ساعات طويلة. وفي كل مرة كان يزداد. حل المساء دون ان يشعرا بمرور الوقت. وعندما بهاء الدين بالمغادرة تزامن ذلك مع عودة والد جميلة الى القصر. فنادته ابنته قائلة تعال يا ابي لدينا ضيف. وعندما التقت عيناه بهاء الدين بعيني والد جميلة عرفا بعضهما. قال بهاء الدين مستغربا. اهذا انت يا سيدي ؟؟ ولم يكن النساج باقل غرابة منه. فقال اهذا انت يا بهاء الدين. وجلس الاثنان معا وتحدثا بكل ما حدث معهما. واخبر بهاء الدين والد جميلة بانه امير قد خرج يبحث عن قدره. وانه مهما حاول الهروب منه قادته قدماه اليه مرة اخرى. وكذلك اخبر والد جميلة الامير بقصة شفاء ابنته من مرض القلب. الذي كان لها طيلة حياتها بمجرد ان رأته. واخبره عن نقوده التي تركها لهم. وكيف غيرت حياتهم. فاشترى قصرا وفتح متجرا كبيرا لصنع النسيج وبيعه. ووعده بتسديد النقود له قريبا. فرح بهاء الدين بما حدث. وودع جميلة ووالدها. ووعدهم بزيارة قريبة برفقة والده الملك وامه الملكة عاد بهاء الدين الى القصر بسرعة البرق. وقد لاحظ جميع من في القصر عودة الوان الحياة الى بهاء الدين. في المساء على مائدة العشاء اخبر الامير والده انه قد وجد من تليق بان تكون شريكة لحياته. وحينها سأله الملك بتعجب ومن تكون ؟؟ وهل تخليت عن قدرك ؟؟ قال الامير مبتسما لا يا ابي كالروح لا يمكن التخلي عنها. قال والده ماذا اذا ؟؟ حينها اخبره بهاء الدين بما حدث معه في الصباح. سر الملك لعودة ابنه لحياته مرة اخرى. وفي اليوم التالي ذهب الملك والملكة لخطبة الفتاة جميلة ابنة النساج. للامير بهاء الدين. وقد انتشر الخبر في كل الارجاء. وفرح المملكة جميعا بالخبر. وبعد اسبوع اقيم حفل زفاف اسطوري استمر سبعة ايام بلياليها. وعاش الامير بهاء الدين والامير جميل من بعدها حياة ملؤها الاقدار السعيدة. وقد انجبا الكثير من البنين والبنات. انتهت الحكاية. انتهت الحكاية. انتهت الحكاية.
عدد الكلمات: 3531
عدد الأحرف: 18481