جفاف، نزاعات، هجرة.. نهاية جنوب العراق اقتربت!

YKZIR POLYGLOT QSS001

هذه الاهوار كانت مضرب المثل في وفرة المياه. وصفوها بجنات عدن على الارض. ماذا حدث لها? وهذا نهر الفرات بات المشي على الاقدام فيه ممكنا. جنوب العراق يلفظ انفاسه الاخيرة. صرخات الاطفال تدوي من العطش. جفاف وفقر ونزاعات قبائلية. جعلت الهجرة من الجنوب غير مسبوقة. حتى اوشك ان يفرغ من سكانه.

الجنوب بلا ماء

الجفاف يستفحل في جنوب العراق وسط حرارة قاتلة تصل الى خمسين درجة مئوية. السير لعشرات الكيلومترات عبر الرمال القاحلة. صار رحلة يومية للاهالي للعثور على مياه للشرب. تعد تلك الاهوار الملقبة بجنات عدن على الارض من اكثر المناطق ثراء بالموارد المائية. وواحدة من ابرز معالم العراق الطبيعية وموقعا تاريخيا مميزا لحضارة ما بين النهرين. توفر ملاذا بيلوجيا للعديد من الطيور والحيوانات. واعتمد عليها الصيادون في صيد السمك. نشأت حولها حضارة عرب الاهوار التي تتلاشى الان تدريجيا. بعد ان غضب المناخ على تلك الاهوار وجفف الكثير منها كالحويزة وجبايش وام النعاج. سبعون اهوار الجنوب صارت بلا مياه تقريبا. اذ بلغت النسبة المائية فيها بين الصفر وثلاثين سنتيمتر فقط. بعد ان تراجع منسوب نهر الفرات الذي يغذيها الى ستة وخمسين سنتيمترا. وتجاوزت مستويات الملوحة ستة الاف جزء في المليون. ما ادى الى الاخلال بالتوازن البيئي لمناطق عراقية شاسعة. وألحق الضرر باكثر من سبعون بالمائة من الاراضي الصالحة للزراعة في عموم العراق وخصوصا في مناطق الوسط والجنوب. لا سيما بعد جفاف الخزانات المائية السطحية مثل بحيرة حمرين التي تمد معظم تلك الاراضي بالماء. وفي تقرير نشرته منظمة الامم المتحدة للاغذية والزراعة منتصف يوليو العام الماضي. فان اكثر من ستة الاف اسرة في جنوب العراق فقدوا جواميسهم التي كانت مصدر رزقهم الوحيد نتيجة الحر وقلة المياه. مع نفوق كثير من الحيوانات والطيور والاسماك التي كانت تعيش في هذه المنطقة. الحياة في الجنوب تحولت الى مغامرة كبرى للبقاء على قيد الحياة. وسط هذا الجفاف الشديد. كثير من الاهالي لم يتحملوا هذه الاوضاع الصعبة فتركوا منازلهم. الى مناطق اخرى بحثا عن مياه الشرب والغذاء وفرص العمل. وقد ذكرت الدولية للهجرة في تقرير لها الخريف الماضي ان اثنين وستين الف عراقي يعيشون وسط وجنوب البلاد. شردوا من ديارهم بسبب الجفاف الذي استمر على مدار الاربع سنوات الاخيرة. شهدت تلك الاهوار اول تهجير لاهلها عندما جففها صدام حسين متعمدا. بعد الانتفاضة الشيعية التي قامت ضده في الجنوب عام الف وتسعمائة وواحد وتسعين. فتحول اكثر من تسعين بالمئة منها الى صحراء قاحلة وهاجر غالبية السكان البالغ عددهم مائتين وخمسين الف نسمة انذاك. ومع سقوط نظام صدام عام الفين وثلاثة بعد الغزو الامريكي. عادت الحياة ببطء الى الاهوار. بعد تدمير السدود والقنوات التي تم استخدامها لتجفيف الاهوار بطرق اصطناعية. فعادت المياه للجريان وابحرت الزوارق من جديد في الممرات المائية. يعود الجد والحرمان مرة اخرى للجنوب. لكن هذه المرة ليس الجفاف مصطنعا. فالعراق تصنف على انها واحدة من اكثر خمسة بلدان في العالم تأثرا بعواقب تغير المناخ.

هجرة غير مسبوقة

يشهد جنوب العراق زيادة غير مسبوقة في الهجرة من مناطق الاهوار الى المدن. فنسبة في المدن وصلت الى سبعين بالمائة. بينما تراجعت في المناطق الريفية الى ثلاثين بالمائة فقط. ويتسبب الامر بضغوط كبيرة ديمغرافيا واقتصاديا وخدميا على المدن التي يقصدها المهاجرون. واذا ذهبنا الى الجنوب لنرى اسباب هذا الارتفاع الملحوظ في ظاهرة الهجرة سنكتشف عدة عوامل ساهمت في تفاقم الوضع. كثير من المزارعين وصيادي السمك وجدوا بلا عمل بعد جفاف الاراضي والاهوار. فلجأوا الى المدن بحثا عن وظائف متنوعة تختلف عن الزراعة والصيد. لكنهم تفاجأوا بوجود الاف العاطلين الذين يتخرجون سنويا في الجامعات ويجدون صعوبة في العثور على عمل. فعلى مدار العقد الماضي شهدت معدلات البطالة ارتفاعا مستمرا في العراق ما انعكس على الحالة الاقتصادية للسكان. ووفقا لوزارة التخطيط العراقية وصل معدل في البلاد الى خمسة وعشرين بالمئة العام الماضي. يشتكي سكان الجنوب من تدني مستوى الخدمات الاساسية كندرة المياه الصالحة للشرب ومشاكل الصرف الصحي والكهرباء والمستشفيات الفارغة بلا اطباء والادوية غير متوفرة. يقابل هذا النقص في الخدمات الطبية ارتفاعا في تلوث المياه والتربة والهواء. كما يعاني السكان تهميشا اجتماعيا ويجدون انفسهم في ظروف اقتصادية حيث يفتقرون الى الحاجات الاساسية كالسكن والغذاء والملابس. ويفتقدون الامان نتيجة العمليات الارهابية التي يشهدها الجنوب باستمرار. وما يزيد الوضع سوءا. النزاعات العشائرية والاشتباكات المسلحة بين القبائل التي تهدد التماسك الاجتماعي للمنطقة. فلا تزال القبائل تتمتع بنفوذ قوي ويسعى الشيوخ للتأثير في السياسة المحلية والدولية. ونجد تأثير العشائر ينحصر في بغداد على عكس الجنوب الذي يهيمن عليه الشيعة. فالقبائل تشكل النسيج الاجتماعي الاساسي في معظم مناطق الجنوب. ويلجأ الناس الى حكم العشائر في غياب القانون وسيطرة الاسلحة غير المشروعة. اذ تشكل تلك العشائر هوية عراقية متشظية ونظاما سياسيا موازيا. وبفعل تلك الظروف المأساوية ترك كثير من الاهالي ديارهم في الجنوب. واذا استمرت العوامل السلبية فان جنوب العراق قد يفرغ من سكانه بشكل كامل قريبا. وهنا تتجلى الظرورة الملحة لتكاتف الجهود بين الحكومات المحلية والمجتمع الدولي. لتوفير الدعم اللازم وتحقيق التغيير الايجابي لمسار جنوب العراق. والتصدي للتحديات التي تعصف بمستقبله بما في ذلك الجفاف والفقر والبطالة والنزاعات العشائرية. وتحسين البنية وتوفير الخدمات الاساسية مثل المياه والكهرباء والصحة. من خلال التعاون المشترك يمكننا استعادة الامل. واعادة الحياة الى جنوب العراق وتحقيق مستقبل افضل الجميع سكانه

عدد الكلمات: 856

عدد الأحرف: 5103